قبل فترة قرأت شرح حديث (أتدرون من المفلس...) وما لم يتطرق الشرح له هو سبب استخدام النبي الاستفهام في الحديث. فلماذا بدأ النبي حديث (أتدرون من المفلس) بالاستفهام؟
حيّاك الله السائل الكريم، وزادك حرصًا على طلب العلم، دائمًا ما كان يستخدم النّبي وهو خير مُعلّم للناس -صلى الله عليه وسلم-؛ في حديثه أساليب تُنبّه السامع، ومن هذه الأساليب: أسلوب الاستفهام.
والاستفهام الذي بدأ به النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث عن المفلس، أراد به الإخبار عن أمر ما؛ فإما أن يكون المستفهم جاهلاً لهذا الأمر ويريد معرفته من غيره، أو يستفهم ليُنبّه السامع لما سيُقال له عن هذا الأمر.
وجاء في هذا الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه-، عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل الصحابة، فقال: (أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ)، "أخرجه مسلم" فقد أجاب الصحابة عن إفلاس الدنيا، ولكن النّبي -صلى الله عليه وسلم- أراد بيان المفلس الحقيقي في الآخرة.
وهو الذي يأتي يوم الحساب، ومعه حسانته من صيام وصلاة وزكاة؛ ولكنه شتم وظلم وضرب، وأخذ من مال أحدهم؛ فيكون جزاؤه بإعطاء كلّ واحد من حسناته، إلى أن أكمل فقال: (فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه، أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّار). "أخرجه مسلم"
واستخدام النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الأسلوب الاستفهامي يدل على أهمية المعنى المراد من الحديث؛ فليس الدين مقتصراً على الشعائر التعبدية من صلاة وصيام، بل الدين معاملة بالخلق الحسن، وحفظ حقوق العباد.