0 معجب 0 شخص غير معجب
100 مشاهدات
في تصنيف فتاوي بواسطة (177ألف نقاط)

ما قولكم رضي الله عنكم فيما عمت به البلوى في هذه الأيام من اتخاذ المسلمين نحو اللباس وأثاث البيت من النصارى واليهود، ولم يتمكن عليهم (كذا) تجنبه إلا بعسرة شديدة، هل هو جائز أم حرام أم كيف الحال؟ فإن قلتم بالجواز فما المراد من هذا الحديث الشريف: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» فإن قلتم بالتحريم فذاك، أفتونا فلكم الأجر والثواب.[1]

1 إجابة واحدة

0 معجب 0 شخص غير معجب
بواسطة (177ألف نقاط)
 
أفضل إجابة

حكم تشبه المسلمين بغيرهم ومخالفتهم لهم؟

  • اتخاذ اللباس والأثاث من اليهود والنصارى ظاهر لفظ السؤال أن المراد اتخاذ ذلك من مصنوعاتهم واشتراؤه منهم، ولا أعلم أن هذا كان موضع خلاف بين الفقهاء، وما زال الناس سلفًا وخلفًا يشترون ما يحتاجون إليه من مصنوعات أهل الكتاب وغيرهم، من تجارهم وغير تجارهم، وقرينة الحال وإيراد حديث: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» يدلان على أن مراد السائل باتخاذ اللباس والأثاث منهم هو أن يلبس المسلم مثل لبساهم، ويستعمل مثل أوانيهم فيكون متشبهًا بهم، وإن كان ذلك اللباس والأثاث من صنع المسلمين.

  •  وهذه المسألة قد كثر السؤال عنها من جزائر جاوه والملايو -ولعل السائل منهم- وأجبنا عنها مرارًا كثيرة في عدة مجلدات من المنار.

  •  أن ابن حبان قد صححه، وكان يتساهل في التصحيح، وأن غيره ضعفه، وأن معناه من تكلف أن يكون شبيهًا بقوم في شيء بتكرار محاكاتهم فيه؛ انتهى التشبه به إلى أن يكون مثلهم في ذلك الشيء، وهذا من قبيل حديث: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ» رواه الطبراني، ولذلك قالوا: إن التشبه بالكرام فلاح والحديث لا يدل على ذم التشبه في كل شيء، ولا على مدحه في كل شيء، ولا على أن المتشبه بقوم في شيء يكون مثلهم في جميع الأشياء.

  • لو لم يكن في هذه المسألة إلا هذا الحديث الذي جعله عبيد العادات العتيقة هجيراهم عند مقاومة كل جديد؛ لسهل على عبيد العادات الحديثة الرد عليهم والاحتجاج بما هو أصح منه متنًا وسندًا من لبس النبي صلى الله عليه وسلم لزي مشركي قومه في الغالب، وزي النصارى والمجوس في بعض الأحوال، ولأمكنهم أن يزيدوا على ذلك مثل قولهم: إن الدولة العثمانية لو لم تأخذ عن أهل أوربة هذا السلاح الجديد والنظام العسكري الحديث وتتشبه بهم في أعمال الحرب؛ لسهل على حكومة صغيرة كانت بلادها ولاية عثمانية كالبلغار أن تدمرها وتأخذ عاصمتها في أسبوع واحد، كما سهل على الأوربيين أخذ أكثر الممالك الإسلامية التي لم تتشبه بهم في ذلك أو جميعها.

  • ولكن وراء ما نسمعه من هؤلاء وأولئك من العلم النقلي والعقلي والاجتماعي المؤيد بالاختبار ما لم تصل إليه روايتهم، ولم تسم إليه درايتهم.

  • ثبت الهدي النبوي بمخالفة المسلمين لغيرهم فيما يتعلق بأمر الدين والدنيا؛ كحديث: «صُومُوا عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا» رواه أحمد والبيهقي في سننه بسند صحيح، وكان أمر بصومه وحده، فقيل له: إن اليهود تصومه؛ فأمر بمخالفتهم بالزيادة، كما أمر بمخالفتهم بتغير الشيب وكانوا لا يخضبون (رواه الشيخان وغيرهما) وخالفهم في سدل الشعر، فكان يفرق شعره (كما ثبت في الشمائل).

  • وكتب عمر رضي الله عنه إلى عامله في بلاد العجم عتبة بن فرقد ينهاه ومن معه عن زي الأعاجم. والحكمة في هذه المخالفة أن يكون للأمة الإسلامية التي كانت تتكون في ذلك العهد مقومات ومشخصات ذاتية تمتاز بها عن سائر الأمم، فتجعل نفسها تابعة لا متبوعة وإمامًا لا مقلدًا. وأن لا تأخذ عن غيرها شيئًا لأن غيرها يفعله؛ بل تأخذ ما تراه نافعًا أخذ العاقل المستقل الذي يستعمل عقله وعلمه في عمله، ولا يكون إمعًا يتبع غيره حذو النعل للنعل (الحكمة ضالة المؤمن). 

  • ولو اتبع كل جيش من الصحابة فتح بلادًا لعادات أهلها وأزيائهم لفني فيهم، ولكن المسلمين على قلتهم كانوا يجذبون الأمم باستقلالهم إلى أتباعهم، حتى انتشر الدين الإسلامي ولغته في العالم سريعًا.

  •  ثم كان من شؤم التقليد الذي أصبنا به أن انتقل جماهير المسلمين في هذه الأزمنة من التقليد في الدين والعلم إلى التقليد في العادات، حتى غلبت عليهم عادات الأمم الأخرى فوهت قوتهم، وسحلت مرائرهم، وصاروا عالة على غيرهم، فأين نحن اليوم من حكمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين زينوا له في الشام أن يظهر بمظهر العظمة والزي الرائع لأهل البلاد الذين تعودوا أن يروا حكامهم كذلك، إذ قال: إنما جئنا لنعلمهم كيف نحكمهم لا لنتعلم منهم كيف يُحكَمون.

  • إننا أسهبنا في هذه المسألة في كتابنا الحكمة الشرعية الذي هو أول كتاب ألفناه ونحن في طور الطلب والتحصيل، وفرقنا هنالك بين حكم الأزياء في نفسها، إذا تزيّا بها الأفراد لحاجتهم إليها، وبين تشبه الأمة بغيرها، وما فيه من المضار الاجتماعية والسياسية، وكذا بين اقتباس الفنون والصناعات الحربية والعمرانية عن الإفرنج، وبين التشبه بهم في عاداتهم وأزيائهم، وما في الأول من النفع الذي لا نحيا بدونه، وما في الثاني من الضرر الذي يحل جامعتنا، ويفسد كياننا، على أننا مفتونون بالضار معرضون عن النافع، ونقلنا في العدد 29 من سنة المنار الأولى نبذة في بيان ضرر الثاني أولها:وبيّنا أن الإسلام لم يفرض على المسلمين زيًّا مخصوصًا لذاته ولا حرم عليهم زيًّا مخصوصًا لذاته، وأنه ثبت في السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس الجبة الرومية والطيالسة الكسروية. ولم يثبت عنه ولا عن خلفائه أنهم كانوا يأمرون من يدخلون في الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس أن يغيروا أزياءهم، ولكن الذين كانوا يدخلون في الإسلام كانوا يتبعون المسلمين حتى في أزيائهم وعاداتهم.

  • أما مسألة تشبه المسلمين بغيرهم؛ فإن كان في أمر دينهم أو ما حرمه ديننا وإن لم يبحه دينهم فلا شك ولا خلاف في حظره، بل صرح بعض الفقهاء بأن من تشبه بهم في أمر دينهم وشعائرهم بحيث يظن أنه منهم يعد مرتدًّا، ويجري عليه حكم المرتد قضاء. وإن كان هذا في أمور الدنيا المباحة في نفسها كالأزياء والعادات فهو مكروه، ولكنه إذا فعل مثل فعلهم ولبس مثل لبسهم غير قاصد للتشبه بهم، فلا يسمى متشبهًا ولا يكون منه ذلك مكروهًا.

  • هذا ملخص ما حرره الفقهاء ومن أخذ الحكم من حديث «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» جزم بأن القصد في المحاكاة داخل في معنى التشبه؛ لأن صيغة التفعل تدل على ذلك. وقد تكلمنا على هذا الحديث في غير موضع من المنار، وبينا في ص61 من المجلد الثالث عشر.

  • إن النصوص والمسائل التي تتعلق بالتشبه وعللها وحكمها، تختلف باختلاف المنافع والمضار والمقاصد.  

  • وأما ما وجدناه نافعًا نفعًا لا ضرر معه أو معه ضرر قليل يزيد عليه ضرر تركه وإهماله فإننا نقتبسه لا بقصد التشبه والتقليد، بل بقصد النفع الذي ثبت عندنا، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في اقتباس حفر الخندق من الفرس، ونجتهد مع هذا في جعله أحسن مما عليه غيرنا أو مخالفًا له نوعًا ما من المخالفة التي تكون عنوان استقلالنا وتميزنا، وسدًا دون فنائنا في غيرنا من الأمم.

اسئلة متعلقة

...