جاء إلى مدينة دمياط ليلة النصف من شعبان رجل (من الأشراف) المنتسبين للعلم، وقصد أشهر مسجد ومدرسة دينية بها (جامع البحر) حيث اجتمع خلق كثير لرؤية ما أعده أرباب الطرق به من الاحتفال بهذه الليلة، وبعد صلاة العشاء أخذ القوم مجالسهم، فقام هذا الرجل وجلس على كرسي مرتفع أُعد لتدريس شيخ العلماء (وقد قرأ علينا هنا درسين فقيد الإسلام والشرق المرحوم الشيخ محمد عبده حينما كان بمصيف رأس البر في السنة الماضية) وابتدأ بسرد فوائد جمة لسماع قصة المولد النبوي، ثم سرد ما لا أذكر منه على كثرته غير ما يأتي:
1- أن أول ما خلق الله نور نبينا صلى الله عليه وسلم ومنه استمد جميع مخلوقاته.
2- أن الله تعالى حينما زوج آدم بحواء قام في الملائكة خطيبًا معلنًا بذلك، ثم فرض عليه صداقًا صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة، وقد صدع بالأمر، غير أنه لم يستطع إكمال العدد بل انقطع نفَسه عند إتمام السبعين، فأقاله الله من الباقي وجعل ذلك سببًا في جعل الصداق قسمين مقدم ومؤخر.
3- أن جميع الوحوش البرية والبحرية بشَّر بعضها بعضًا ليلة الحمل بالنبي صلى الله عليه وسلم ونطقت بذلك بلسان عربي مبين.
4- أن مريم حضرت ليلة ولادة النبي مع سارة وآسية لأنهم زوجاته في الجنة.
5- أن العلماء اختلفوا في أمر آسية، فقيل إنها لم تكن ماتت إلى هذا الحين لأنها رفعت إلى الجنة حيث استغاثت بالله من فرعون وعمله، وقيل: إن الله أحياها لهذا الغرض والأول أصح.
6- أن من يعتقد أن أحد الأنبياء ولد من الفرج يكون كافرًا لأنهم جميعًا ولدوا من ثقب في الجنب الأيسر.
7- أن النبي وجميع الأنبياء أحياء في قبورهم حياة كحياتنا هذه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا في قبري حي طري. وقوله: نحن معاشر الأنبياء أحياء في قبورنا. ومن الأدلة المحسوسة (تأمل) على ذلك أن عليًّا رضي الله عنه حمل زوجته فاطمة بعد موتها على يديه وأتى بها إلى القبر الشريف. وقال: يا رسول الله هذه فاطمة الزهراء بضعتك الطاهرة قد جادت بروحها إلى الله في هذا اليوم، وقد جئت بها إليك لتزورك فانفتح القبر (سبحانك هذا بهتان عظيم) ومد النبي يديه فتلقاها من على وأضجعها بجانبه، وقيل أنه ردها إليه فدفنها بالبقيع، ولذلك ترى الناس يزورونها بالمكانين عملًا بالروايتين. وأن سيدي أحمد الرفاعي حين زار القبر الشريف أنشد هذين البيتين: في حالة البعد روحي كنت أرسلها...تقبل الأرض عني وهي نائبتي وهذه دولة الأشباح قد حضرت...فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي فمدّ النبي يده الشريفة إليه أمام الحاضرين فقبَّلها.
8- أن عدد الأنبياء ونجوم السماء كعدد شعر لحية النبي صلى الله عليه وسلم 124000. هذا يا مولاي قليل من كثيرة مما قصه هذا الرجل في تلك الليلة أمام المئات من المسلمين عامتهم وخاصتهم، وفضيلة شيخ العلماء ساكت لا يبدي أقل اعتراض على هذا الكلام مع ما عرف عنه من الغيرة على الدين ومحاربته لمثل هذه العقائد التي حشرها القصاصون في الدين فشوهوا بها وجهه الجميل. لو كان هذا الرجل من العامة لسكتنا ولكنه معدود ضمن العلماء في قرية المنزلة، وقد خطب أمام أمير البلاد هناك وصلى خلفه فريضة الجمعة سمعت ذلك من بعض أهل المنزلة. وقد رفع حضرة الفاضل مكاتب المقطم أمر الرجل إلى فضيلة شيخ الأزهر وطلب منه إعلان رأيه في جميع ذلك وما نظنه إلا مبرئًا للدين من هذه الأضاليل وسيكتب جواب فضيلته بجريدة المقطم. وكتب حضرة الفاضل مكاتب البصير بجميع ذلك إلى جريدته. أما مُكاتبي الجرائد الإسلامية فلم يكتبوا شيئًا من ذلك. لهذا نرجوكم توضيح رأيكم في ذلك خدمة للدين وأهله، والسلام.