0 معجب 0 شخص غير معجب
131 مشاهدات
في تصنيف فتاوي بواسطة (177ألف نقاط)

أستاذي بينما كنت أنظر في نفيس تفسيركم لسورة ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ إذ وجدت ما يأتي. حضرتكم قلتم: «قد وصف الله الوسواس الخناس بقوله: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ[٥] مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ[٦]﴾ [الناس: 5 - 6]، وقلتم: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ بيان للذي يوسوس أو بيان للوسواس الخناس، فالمُوَسْوِسُون قسمان: قسم الجِنّة، وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم، ولكن نجد في أنفسنا أثرًا ينسب إليهم، ولكل واحد من الناس شيطان، وهي قوة نازعة إلى الشر» إلخ.

فبينتم حضرتكم بأن الجن خلق مستترون لا نعرفهم، فهل المراد لا نعرف كافة أحوالهم من ابتداء نشأتهم، مع كون القرآن مصرحًا بأنهم خلقوا من مارج من نار في آيات كثيرة، والحديث مصرحًا بأن الشيطان يسري في جسم الإنسان مسرى الدم، كما كان يسري في الآلهة لمعبوديهم، ونعرف أيضًا أن النبي بعث لهم وكلفهم بالرسالة، فمنهم مَن آمنَ ومنهم من كفر. فهذا كله يثبت لنا أن الجن موجودون بحقائق غير حقائقنا، وأنهم يقدرون على التشكل بشكل ما.

ثم حضرتكم قلتم: «وإنما نجد في أنفسنا أثرًا ينسب إليهم» فهل ينسب إليهم حقيقةً أو مجازًا مع كونكم جعلتم هذا الأثر للشيطان الذي قلتم عنه بأنه «قوة من جملة القوى الإنسانية» فكأنه لا شيطانَ ولا إبليسَ، وكأن هذه القوة هي التي أمرها الله بالسجود فتكبرت فلعنها الله، وقالت: ﴿فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وكأنها هي التي قال لها الله: ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ -أي القوة- إِلَّا غُرُورًا[٦٤]﴾ وكأنها هي التي بعث لها المصطفى يبلغها الرسالة، وكأنها هي المذكورة في قوله: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾ [الأحقاف: 29] إلخ. قل: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: 1] أي القوى، وكأنها كانت تتلقى السمع لتبلغه لرئيسها، فلما بعث النبي أرادت أن تتلقى السمع، فأصيبت بشهاب قبس. وبكل احترام لمقامكم وعدم الاعتراض لأقوالكم أطلب الإيضاح عن ذلك لأن فكرتي متشتتة الآن مع بيان كيف حقيقة الجانّ، وكيف كان خطاب المصطفى لهم لتأدية الرسالة، وبيان ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه أشفى المصروع، وأخرج من جسده الجانّ مع أن الحكماء تنكر ذلك، والظاهر للعقل هذا مع بيان التوسّل بالنبي والصالحين في الدعاء، ولكم الشكر[1].

1 إجابة واحدة

0 معجب 0 شخص غير معجب
بواسطة (177ألف نقاط)
 
أفضل إجابة

حكم التعبير عن الملائكة والجن بالقوى ومعرفة حقيقتهم

  • قول الأستاذ الإمام رحمه الله في الجنّ: «هم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم» هو الأصل عند المسلمين، وكذا أهل الكتاب في هذا الباب. والمراد لا نعرف حقيقتهم لأنهم من الخلق المغيَّب عنا.وما جاء في القرآن مِن خبر خلقهم وغير ذلك لا ينافي كوننا لا نعرف حقيقتهم، وكذلك إخباره عن جميع عالم الغيب لا يقتضي أننا نعرِف حقيقة ذلك العالم. والعلم بأن الجانّ خلق من المارج لا يفيدنا معرفة حقيقته، بل ولا ظواهر صفاته ومميزاته، كما أن خلق الإنسان من طين لا يبين حقيقته ولا مميزاته ومثل ذلك يقال في تكليفهم. وظاهر قوله تعالى في سورة الجن: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: 1][2] إلخ. أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَرَهُمْ حين سمعوا منه القرآن، فآمن بعضهم وكفر بعض وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس التصريح بذلك، قال في تفسير الآية: «ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنّ ولا رآهم» إلخ. ولكن رُوِيَ عن ابن مسعود أنه رآهم وقرأ عليهم.

  • وقال ابن تيمية أن ابن عباس علم ما دلّ عليه القرآن، ولم يعلم ما علمه ابن مسعود وأبو هريرة من إتيان الجِنّ له إلخ.

  • فَحَسْبُكَ مِن أمْرِ تكليفهم أن حبر الأمة ابن عباس كان يعتقد بِحَسَبِ فهمه للقرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَرَ الجِنّ إنما أوحى الله إليه أنهم سمعوا منه القرآن، ونزل عليه فيهم: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾ [الأحقاف: 29]. وإذا صحّ حديث ابن مسعود وأبي هريرة في رؤيته إيّاهم ومكالمتهم، فذلك لا يدُلُّ على أنهم صاروا مِن عَالَمِ الشهادة، وأننا صِرْنَا نَعْرِف حقيقتهم، فإن الله قد يطلع رسله على بعض غيبه، وذلك خصوصيّة لهم كما قال في سورة الجِنّ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا[٢٦] إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: 26 - 27] إلخ. وكذلك حديث صفية عند الشيخين وغيرهما: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ»، لا يدلّ على حقيقة الشيطان ولا يجعلها معروفة لنا، والحديث تمثيل لا حقيقة كقول الشاعر: «جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي». وليس فيه «كما كان يسري في أعضاء الآلهة» كما قال السائل. وقد قال تعالى في الشيطان: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: 27]. وقوله: إنه صح أن النبي شفى المصروع، وأخرج من جسده الجانّ لا أدري من أين جاء به السائل على أنه لا يدُلّ على أنّنا نعرف حقيقة الجانّ. وأما تعبيره عنهم بالقوى فقد كنا نقلناه عن الأستاذ الإمام في تفسير سورة البقرة فأنكره بعض الناس، وإن وَرَدَ موردَ التأويل لمُحاجَّة المنكرين لعالم الغيب، فطلبنا منه أن يوضحه فأوضحه بكتابة بليغة زادها على تفسير آيات خلق آدم الذي نشرناه في المنار، وإننا نورد هنا ما كنا كتبناه هناك، وما زاده عليه رحمه الله وأحسن مثواه، ونميز ما كتبه بوضعه بين أقواس هكذا  وهاك ما هنالك.

  • تقدم أن الملائكة خلق غيبي لا نعرف حقيقته، وإنما نؤمن به بإخبار الله تعالى الذي نقف عنده ولا نَزِيد عليه، وتقدم أن القرآن ناطق بأن الملائكة أصناف لكل صِنْف وظيفة وعمل، ونقول الآن: إن إلهام الخير والوسوسة بالشر مما جاء في لسان صاحب الوحي صلى الله عليه وسلم وقد أسندا إلي هذه العوالم الغيبية وخواطر الخير التي تُسَمّى إلهامًا، وخواطر الشّرّ التي تسمى وسوسة كل منهما محله الرُّوح، فالملائكة والشياطِينُ إذن أرواح تتصل بأرواح الناس، فلا يصحّ أن نمثل الملائكة بالتماثيل الجثمانية المعروفة لنا (لأن هذه لو اتصلت بأرواحنا فإنما تتصل بها من طرق أجسامنا، ونحن لا نحس بشيء يتصل بأبداننا لا عند الوسوسة، ولا عند الشعور بداعي الخير من النفس، فإذن هي من عالم غير عالم الأبدان قطعًا) والواجب على المسلم في مثل الآية الإيمان بمضمونها مع التفويض، أو الحمل على أنها حكاية تمثيل، ثم الاعتبار بها بالنظر في الحكم التي سيقت لها القصة.

  • وأقول: إسناد الوسوسة إلى الشياطينِ معروف في الكتاب والسنة، وأما إسناد إلهام الحق والخير إلى الملائكة فيؤخذ من خطاب الملائكة لمريم عليها السلام، ومن حديث الشيخين في المحدثين وكون عمر منهم. والمحدثون الملهمون، وحديث الترمذي والنسائي وابن حبان وهو: «لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيَاطين فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ على ذلك، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: 268]». قال الترمذي: حسن غريب لا نعلمه مرفوعًا إلا من حديث أبي الأحوص.

  • والرواية إيعاد في الموضعين، كما أن الآية من الثلاثي في الموضعين، فما قالوه في التفرقة بين الوعد والإيعاد أغلبي فيما يظهر وإلا فهو غير صحيح، واللمة بالفتح الإلمام والإصابة. (قال الأستاذ): وذهب بعض المفسرين مذهبًا آخر في فهم معنى الملائكة، وهو أن مجموع ما ورد في الملائكة من كونهم موكلين بالأعمال من إنماء نبات وخلقة حيوان وحفظ إنسان وغير ذلك، فيه إيماء إلى الخاصّة بما هو أدقّ مِن ظاهر العبارة، وهو أن هذا النموّ في النبات لم يكن إلا بِرُوح خاصّ نفحه الله في البذرة، فكانت به هذه الحياة النباتية المخصوصة، وكذلك يقال في الحيوان والإنسان، فكل أمر كلي قائم بنظام مخصوص تمت به الحكمة الإلهية في إيجاده، فإنما قوامه بروح إلهي سمي في لسان الشرع ملكًا، ومن لم يبال في التسمية بالتوقيف يسمي هذه المعاني القوى الطبيعية (إذا كان لا يعرف من عالم الإمكان إلا ما هو طبيعة أو قوة يظهر أثرها في الطبيعة) والأمر الثابت الذي لا نزاع فيه هو أن في باطن الخلقة أمرًا هو مناطها، وبه قوامها ونظامها، لا يمكن لعاقل أن ينكره، وإن أنكر غير المؤمن بالوحي تسميته ملكًا، وزعم أنه لا دليلَ على وجود الملائكة، أو أنكر بعض المؤمنين بالوحي تسميته قوة طبيعية أو ناموسًا طبيعيًّا، لأن هذه الأسماء لم ترد في الشرع، فالحقيقة واحدة والعاقل من لا تحجبه الأسماء عن المسميات (وإن كان المؤمن بالغيب يرى للأرواح وجودًا لا يدرك كُنْهه، والذي لا يؤمن بالغيب يقول: لا أعرف الروح، ولكن أعرف قوة لا أفهم حقيقتها، ولا يعلم إلا الله عَلى مَ يختلف الناس، وكل يقر بوجود شيء غير ما يرى ويحس ويعترف بأنه لا يفهمه حقَّ الفهم، ولا يصل بعقله إلى إدراك كنهه، وماذا على هذا الذي يزعم أنه لا يؤمن بالغيب وقد اعترف بما غيّبَ عنه لو قال: أصدق بغيب أعرف أثره، وإن كنت لا أقدره قدره، فيتفق مع المؤمنين بالغيب ويفهم بذلك ما يرد على لسان صاحب الوحي ويحظى بما يحظى به المؤمنون).

اسئلة متعلقة

0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة 92 مشاهدات
...