قديماً قال هيرودوت «مصر هبة النيل» وهو يقصد أن النيل هو من وهب مصر الحياة والوجود وأنه لولا النيل ما قامت على هذه البقعة من أرض الله حضارة مذهلة امتدت جذورها فى أعماق التاريخ الإنسانى، وما زالت قائمة شواهدها حتى اليوم.. وأنا أقول له قولاً آخر، فالنيل ليس مختصاً بمصر وحدها ولكن جاءها من بلدان قبلها فلو أن النيل وهب مصر ما هى عليه لكان وهب هذه البلدان المجاورة أيضاً الحضارة العظيمة التى هى من صنع شعب مصر العظيم القديم.
والحقيقة أن مصر هبة الله وليست هبة النيل.. لأن النيل الذى يجرى من أعالى الحبشة ليشق أرض الكنانة ثم يصب ما بقى منه فى البحر عبر آلاف السنين لم يصنع ذلك من تلقاء نفسه ولا تكفل أحد ما ولا دولة ما بهذا الصنيع المعجز، فالذى أنزل الأمطار الغزيرة على جبال الحبشة (إثيوبيا) عبر آلاف السنين الماضية بكل هذه الغزارة والتى يستحيل معها الاحتفاظ بها وإلا غرقت البلاد هو الله لأنه هو الذى يُسيِّر السحب كيف يشاء، هو سبحانه الذى جعل المياه الغزيرة تشق لها طريقاً داخل الحبشة نفسها ثم تندفع لتكمل الطريق عبر السودان المجاورة ثم تستمر لتشق لها طريقاً عبر مصر ثم إلى فرعين داخل أرض الكنانة ثم إلى البحر.
هذا الذى حدث عبر آلاف السنين حتى يستقر النهر الخالد فى هذه البلدان وغيرها هو من صنع الله وهو هبة الله، إذن الأمر كله مرده إلى الله عز وجل ولو شاء لتوقفت الأمطار عن الهطول على جبال الحبشة ولعم الجفاف بها وبالسودان ومصر.. لكن الله كريم يمنح الحياة ويهبها مقومات الوجود والنمو والنماء لتعمر الارض.. ولهذا أقول إنه لا خوف أبداً على مصر المحروسة مما يكيده لها أعداؤها
فى كل نواحى الحياة والتى وصل إلى شربة الماء وروية الزرع.
ومصر التى اختصها الله عز وجل بعنايته وذكرها فى كتابه الكريم فى أكثر من موقع ووصفها نبى الله يوسف لأهله بالأمان كما كانت دائماً بلد الخير والزروع والثمار، وحين طلب بنو إسرائيل من موسى «ما تنبت به الأرض» قال لهم «اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم» فمصر فى أمن الله وفى عنايته ولن تكون أبداً عرضة للهلاك والضياع كما يتنبأ بذلك الكثيرون عندما تنتهى إثيوبيا من بناء سدها الضخم المسمى بسد النهضة، وفى هذا الخصوص أقول إن اثيوبيا بلد فقير وثروته الأعظم فى تلك المياه الغزيرة التى تتدفق على جباله وأراضيه ومن حقها أن نفكر فى استغلال هذه الثروة الطبيعية الضخمة مثل باقى الشعوب التى تستغل ثرواتها الطبيعية من البترول ومشتقاته حتى صارت من الدول المتسارعة اقتصادياً ويعيش شعبها فى رغد من العيش. نحن لا ننكر عليها أبدا استغلال هذه الثروة التى تقاسمنا نحن وجارتنا السودان فيها بطيب خاطر عبر آلاف السنين، ولكن ما نطلبه وهذا حقنا فى النيل والحياة هو تنظيم ذلك الاستغلال بما يفيد صاحبه ولا يضر جيرانه عبر التاريخ.. ولهذا أقول إنه حينما تكون الأمة فى موقف هام وخطير لا يدار الحوار حول ذلك إلا بالمحبة والتسامح والتفاهم وهذه هى لغة الإسلام الذى علمنا الله ورسوله «وجادلهم بالتى هى أحسن» صدق الله العظيم.. ولهذا فإن ما حدث فى اجتماع الرئيس وبعض مستشاريه غير المسئولين ولا مقدرى عواقب ما